السلام عليكم
تحية لاحلي اعضاء واحلي منتدي -------------
النهاردة يا جماعة جايبلكم قصة واقعية جميلة جدا من بريد الجمعة بعنوان
(النظرات الطويلة)
نشرت بتاريخ 28/9/2001 ------------------------------------------------------------------------- عجبتني جدا واتمني تعجبكم خاصة رد الاستاذ عبد الوهاب مطاوع صاحب القلم الرحيم اللي انا من عشاقه
يا ريت تشاركونا بأراكم وتعليقاتكم واتمني ان تقبلوني كصديق لكم واشارككم احلي الاوقات في احلي منتدي
-------------------------------------------------------------- elomdamohammed
-------------------------- النظرات الطويلة
-------------
أنا سيدة في التاسعة والثلاثين من عمري حين كنت طالبة جامعية لفتت زميلاتي بالكلية نظري إلي طالب هادئ وسيم قلن لي عنه أنه يتابعني دائما بنظراته ويحبني في صمت. فبدأت أشعر بوجوده لأول مرة.. ولاحظت إنه لم يحاول أبدا التعرف علي أو الاقتراب مني كما يفعل بقية زملائه, كما لاحظت أيضا أنه يبدو دائما حزينا ومهموما بأمره, وشيئا فشيئا بدأت أفكر فيه وأنشغل به, وترقبت اللحظة التي سيفتعل فيها أي سبب للحديث معي, فلم تأت هذه اللحظة أبدا, وسألت إحدي صديقاتي عنه, وحاولت أن أعرف منها سبب إحجامه عن الاقتراب مني ففهمت أنه يشعر بأنه لا أمل له في نيل اهتمامي, لجمالي الذي يغري بي من هم أفضل منه.. ولثراء أبي في حين يكافح هو لكي يستكمل تعليمه ويعمل في الصيف لتوفير نفقات الدراسة, واهتممت بأن أعرف ظروفه.. وعلمت أنه من أسرة طيبة أحني عليها الدهر وفقدت معظم ثروتها بسبب ديون الضرائب التي استهلكت تركة أبيه وأن أسرته معروفة بحسن السمعة والمنبت الطيب لكنها لاتملك من حطام الدنيا سوي بيت قديم في إحدي مدن الأقاليم تقيم فيه وتؤجر بقية شققه, وتستعين علي حياتها إلي جانب ذلك بمعاش بسيط من التأمينات الاجتماعية من والده الذي كان تاجرا للموبيليات, ووجدتني أشعر بالحب تجاهه وأبادله النظرات الطويلة.. ومضي عامنا الجامعي الثالث ونحن نتراسل عن طريق هذه النظرات دون أية خطوة أخري, وفي عامنا الأخير انقطع عن الحضور إلي كليتنا لمدة أسبوع كامل كدت أفقد خلاله صوابي.. وأبحث عن عنوانه لأسأل عنه ثم رجع هزيلا كالشبح وقد ازدادت مسحة الحزن في وجهه ووجدتني حين رأيته أسأله بلهفة كأني أعرفه منذ زمن طويل عما شغله عن دراسته خلال الأسبوع الماضي.. فنظر إلي ذاهلا ثم تمتم قائلا: إن والدته قد رحلت عن الحياة.. ودمعت عيناه وهو يقول لي: إنه لم يعد له في الدنيا بعدها أحد سوي شقيقة متزوجة في القاهرة, فلم أستطع أن أحبس دموعي.. وطفر الدمع من عيني ففضح كل ما حاولت كتمانه واعتبر كل منا ذلك اعترافا صريحا بالحب.. لكنه صدمني بتساؤله: وكيف يكون لي أمل فيك وأنت من يرشحك جمالك وثراؤك للارتباط بأفضل الشباب؟ فلم أتردد في أن أؤكد له إنني سأدافع عن اختياري له مهما كانت العقبات, واستمرت النظرات الطويلة تجمع بيننا طوال العام الجامعي الأخير.. ورحنا نتبادل الأحاديث التليفونية كل ليلة وتخرجنا في كليتنا.. وطالبته بأن يخطو الخطوة الأولي في طريق الارتباط بيننا ويزور أبي للتعرف عليه والتمهيد لطلب يدي منه.. وجاء مترددا وخائفا.. واستقبله أبي بطريقة طبيعية في البداية وحين عرف منه بكل ظروفه المادية والاجتماعية رفضه بحزم وطالبه بعدم التفكير نهائيا في هذا الموضوع, ولم ينس أبي أن يذكره في نهاية الحديث بأنه قد رحم الله امرأ عرف قدر نفسه! وغادر زميلي بيتنا كسير الخاطر وجريح الكرامة.. وقال لي في المساء في التليفون: إنه قد شعر بمهانة الدنيا كلها ووالدي يرفضه لفقره وأنه سوف يدعني لحالي لأنه لا فائدة من نطح الصخر.
وأقمت الدنيا وأقعدتها في أسرتي من أجله لكن أبي لم يتزحزح عن موقفه قيد أنملة, وزاد علي ذلك أن أكد لي أن عريسا جاهزا ينتظرني وتتوافر فيه كل المواصفات المطلوبة من الثراء الكبير والامكانات المغرية وانني معه سأقضي الصيف في أوروبا اوالشتاء في الأقصر ولن أحمل هم مطالب الحياة.. في حين سأتحول إذا اتبعت هواي بعد قليل إلي زوجة بائسة أكافح لتدبير مصروف البيت والأولاد وسيتبخر الحب سريعا تحت وطأة المشاكل والمعاناة.. ولم أقتنع بكل ذلك وطلبت من فتاي أن يعيد المحاولة فجاء بعد تردد وكبت مشاعره وتحمل جفاء أبي معه.. وأبلغه أنه سيعرض البيت الذي ورثه للبيع وستساعده شقيقته بجزء من نصيبها فيه علي اتمام الزواج, لكن أبي استهزأ بالفكرة وأكد له استحالة أن يجد مشتريا لبيت قديم لايدر سوي جنيهات معدودة, وحتي لو وجده فإن نصيبه من ثمنه لن يعمد لتكاليف الزواج وايجاد شقة أخري لائقة الخ... وودعه بنفس الاشارة الجارحة لضرورة أن يعرف قدر نفسه!
وبعد شهور من محاولات اقناع أبي وأهلي دون جدوي عرضت علي فتاي أن أذهب إليه في شقته بالبيت القديم وأن يستدعي المأذون لعقد قراننا بحضور أهله.. وارجع إلي بيتي وأسرتي إلي أن يسلم أبي بالأمر الواقع, لكن زميلي رفض ذلك بإصرار وقال لي إنه إذا كان فقيرا فإنه أيضا ابن أناس طيبين ولا يقبل لي أن أتزوج رغما عن إرادة أبي أو أن ألوي ذراعه علي هذا النحو.. واختتم حديثه بأنه سيقطع علاقته بي من هذه اللحظة لكي يعينني علي تقبل الأمر الواقع.. والارتباط بمن يليق بي. ونفذ كلمته بالفعل واختفي من حياتي نهائيا, كأنما قد هاجر من المدينة, وفشلت كل محاولاتي للاتصال به أو رؤيته مرة ثانية, واستسلمت لضغط أسرتي وتزوجت العريس الذي تتوافر فيه كل المواصفات, ومضي عامي الأول في الزواج فلم أجد الجنة التي وعدني بها أبي ولا الترف الذي أراده لي, بل لاحظت منذ البداية أنه وبالرغم من ثراء زوجي وامتلاكه للأرض الزراعية والعقارات ودخله الكبيرمن عمله, فإنه بخيل للغاية ولا ينفق قرشا إلا لضرورة قصوي, وقد بدأ حياته معي بمحاضرتي عن أهمية الادخار وتوفير المال لكي يشتري أرضا.. مجاورة لأرضه ويحلم بامتلاكها منذ الصغر, ووجدتني أعيش معه في مس توي لايختلف إن لم يقل عن المستوي الذي كنت سأحيا فيه مع فتي القلب الحسير.. وشكوت لأبي من بخله المعيب فهون علي الأمر وأكد لي أنه سيتغير بعد الانجاب, وبدأ يعطيني مصروفي الشهري الذي كنت أحصل عليه وأنا فتاة, وأنجبت طفلي الأول في مستشفي حكومي لأن زوجي الثري استهول تكاليف الولادة في مستشفي خاص, ورفض بعد الولادة أن يدفع تكاليف المتابعة الشهرية للمولود لدي طبيب الأطفال وهي لاتزيد عن ستين جنيها كل شهر, ودفعها أبي.. وبدلا من أن يتغير إلي الأفضل ازداد بخلا وتقتيرا, فلا هدايا ولا نزهات ولا أسفار ولا ملابس جديدة لي أو للمولود ولا مليم زيادة لأي نفقات طارئة سوي مصروف البيت الذي لايكفي لشراء الطعام وحده وكلما شكوت لأبي شعر بالخجل وحاول تعويضي بشراء الملابس والأحذية التي يرفض زوجي شراءها..
ونصحتني أمي بانجاب طفل آخر لكي يصبح شقيقا لابني, فإذا بزوجي يرفض خوفا من زيادة النفقات, وشعرت بطعنة غادرة في كرامتي وقلبي.. وحين اكتشف حملي الثاني ثار ثورة عارمة وهدد بأنه لن ينفق علي رعايتي خلال الحمل ولا علي ولادتي! وصارحت أبي بما حدث وطلبت منه أن يساعدني في الحصول علي الطلاق من الزوج الذي أجبرني عليه.. فدمعت عيناه من التأثر وطالبني بالصبر ووضعت طفلتي الجميلة وتحمل أبي كل التكاليف..
ومضت السنوات وزوجي يزداد ثراء.. ويزداد بخلا وتقتيرا, حتي أنه رفض إلحاق الطفلين بمدرسة خاصة راقية بسبب التكاليف, ولم يشعر بأي خجل حين أصررت علي الحاقهما بها علي أن يدفع أبي نفقاتهما والرسوم المدرسية لهما. وكلما اشتد بي الكرب استعدت صورة فتي القلب القديم في مخيلتي وقارنت بين عفة نفسه واعتزازه بكرامته, وبين تفريط زوجي مقابل إعفائه من دفع أي تكاليف ينبغي له دفعها.. وبعد15 عاما من الزواج كنت قد تحولت إلي إنسان آلي يتحرك في البيت بلا مشاعر.. اتعامل مع زوج لا أحبه.. ولا أكرهه بالرغم من كل مافعل بي.. وأجد راحتي في استرجاع أيام الحب والكرامة مع فتي القلب في ذاكرتي.
وبسبب بعض العثرات التجارية ارتبكت أحوال أبي المادية.. وازدادت وطأة أقساط ديون البنك عليه حتي اعتذر لي آسفا عن عدم قدرته علي الاستمرار في مساعدتي إلي أن ينهض من كبوته.., وعانيت من شظف العيش الحقيقي مع زوجي وبدأت أفقد أعصابي معه وأطالبه بالانفاق علي بيته وأسرته بما يتفق مع ثرائه ودخله فبدأت الخلافات العاصفة بيننا وبدأ يتطاول علي لأول مرة ويعيرني بتعثر أحوال أبي المادية ناسيا أن انفاقه علي بيتي وأولادي ودفعه لرسومهما المدرسية الباهظة كانا من أسباب هذا التعثر! وتشاجر معي ذات يوم حين جاءته فاتورة التليفون بمائتي جنيه! وهددني بقطع الحرارة عن التليفون وكان الكيل قد طفح بي فتبادلت معه الشجار وسبني وسب أبي وأمي فهجرت بيتي عائدة إلي أسرتي وأنا مصممة علي طلب الطلاق.. ورفضت العودة إليه وجاء يسترضيني ليعيدني إلي بيته حاملا معه أول هدية يشتريها لي من ماله الخاص بعد15 عاما من الزواج ولم تكن سوي خاتم ذهبي ثمنه170 جنيها.. فرفضت الهدية ورفضت العودة وطالبت أبي بأن يحررني من أسره الذي كبلني به..
لكن أبي تردد وسعي للإصلاح بيننا وعرفت خلال ذلك أن زوجي يعرض علي أبي إقراضه مبلغا كافيا لإخراجه من عثرته مقابل شيكات شهرية وبفائدة كفائدة البنك ويعتبر ذلك تنازلا كبيرا منه! وشعرت بحيرة أبي بين قبول العرض وبين رغبتي في الانفصال عن زوجي فقررت العودة لزوجي لكي أساعد أبي علي اجتياز ظروفه, ورجعت بالفعل ـ فإذا بي أعرف أن زوجي قد تراجع عن فكرة إقراض أبي وطلبه تأجيل ذلك لمدة عام بحجة عدم توافر السيولة المادية لديه.. فأصبحت لا أطيق رؤية وجهه أو سماع صوته.. وأشعر بالغثيان كلما اقترب مني, ولم أطق الحياة معه أكثر من ذلك.. وعدت إلي بيت أسرتي وطلبت الطلاق وفوجئت بزوجي العزيز لا يتحدث عن مستقبل الطفلين وإنما عن حقوقي الشرعية ويطلب تنازلي عنها كشرط للطلاق وعن نفقة الطفلين طوال الحياة مقابل تركهما لي.. ولم أتردد في الموافقة, وفي هذه الأثناء نصح البعض أبي بالاقتراض من فرع جديد لأحد البنوك لأن مديره متعاون ويتفهم ظروف التجارة وذهب لمقابلته فاستقبله رجل في الأربعين من عمره سمح الطبع والوجه.. وتعامل معه بأدب واحترام ووعده بدراسة مطلبه وتقديم كل المساعدة الممكنة له.., وخلال أقل من شهر كان الرجل قد وفي بوعده وانهي كل الإجراءات اللازمة وقدم لأبي تسهيلات كبيرة, وبعد توقيع العقد فوجئ بهذا المدير يقول له في خجل: ألا تعرفني يافلان بك ؟ فأجابه أبي بالنفي فإذا به يقول له أنه ذلك الشاب ا لذي تقدم لابنتك قبل17 عاما مرتين ولم تسمح ظروفه وقتها بقبول طلبه! وارتبك أبي.. وتذكر كل شيء وشعر بالخجل لكن الرجل لم يعطه الفرصة للاستحياء وروي له أنه يلتمس له العذر في رفضه السابق له لأن ظروفه المادية كانت سيئة للغاية.. ويؤكد له أنه لا يشعر تجاهه بأي ضغينة لأنه مؤمن تماما بأن كل شيء نصيب, وكل مايرجوه هو أن تكون الآنسة المهذبة ابنته قد ارتبطت بمن يستحقها وسعدت بحياتها معه!
وعرفت من أمي كل ماجري.. وعرفت منها أيضا ان أبي قد صارحها بالندم علي إحراج هذا الشاب ورفضه وإرغامي علي الزواج من زوجي السابق الذي لم أر من ثرائه شيئا.. وعرفت من أمي أيضا أن فتاي السابق قد رجع الي المدينة منذ شهور بعد ترمله ووفاة زوجته التي افترسها المرض وأنه يعيش في سكن خاص بمدير البنك فوق الفرع الجديد مع طفليه ويستعين بسيدة عجوز علي رعايتهما.. وأنه قد عمل11 عاما في فرع لهذا البنك في دولة عربية ورجع منه مديرا لفرع مدينتنا الجديد.
ولن تتخيل ماذا صنعت بي هذه المعلومات حين عرفتها.. فلقد بعثت الأمل القديم في قلبي, وارتجفت بشدة حين تساءلت أمي كالمتعجبة! أليس من المحتمل أن يكون الله سبحانه وتعالي قد هدي أباك للذهاب لهذا البنك ليلتقي بهذا الشاب.. ويتجدد اللقاء بينكما بعد17 عاما ؟ فما أن سمعت منها هذه العبارة حتي انخرطت في بكاء مرير يعبر عن كل مافي قلبي من أحزان وأشواق وآمال.., وإذا بي بعد أن أتمالك نفسي أرفض نصيحة أمي لي بافتعال سبب يدعوني للذهاب الي البنك ومقابلة مديره بالصدفة, لكي أجدد صلتي به ويعرف ظروفي الجديدة, ووجدت في نفسي جرأة غريبة علي أن أقول لأمي إنني لن أفعل ذلك وأن أمثل عليه.. وإن من حقي علي أبي الذي كان اختياره لي خاطئا وسببا في تعاستي, ان يصحح هذا الخطأ ويذهب لفتاي القديم ويعرضني عليه دون خجل فإذا رفضني فلا لوم عليه وقد سبق لأبي أن رفضه وإذا قبلني فلقد حقق الله لي السعادة بعد طول الانتظار وتمسكت بهذا الرأي.. واستجاب لي أبي وهو يقول إنه سيريح ضميره من ناحيتي بأن يفعل ذلك.. وذهب لمقابلة مدير البنك.. وبعد حديث قصير معه فاتحه بما جاء إليه من أجله, وقال له إنه يترك له الوقت الكافي للتفكير فيما يعرضه عليه ثم نهض لينصرف ففوجئ بالرجل يقول له: انتظر يافلان بك.. ماهو الوقت المناسب لزيارتكم في البيت ؟
وجاء فتاي القديم لزيارتنا في مساء نفس اليوم فما أن وقعت عليه عيناي حتي حييته بالدمع السخين.. ورأيته أكثر شبابا ووسامة ورجولة وفتوه مما كان عليه قبل17 عاما.. وكانت ليلة سعيدة لكل أفراد أسرتي الذين تقاطروا ليشهدوا فتي القلب القديم وقد جاء ليجدد طلبه بالارتباط بي بعد17 عاما من رفضه وبعد أن أنجب طفلين وأنجبت مثلهما وهم سعداء ويتعجبون مما تفعله بنا الأيام.
وبعد ثلاثة شهور من هذه الزيارة تزوجنا في احتفال عائلي صغير وقال لي الجميع إن دماء العافية قد سرت في وجهي واستعدت جمالي السابق. ونحن الآن نعيش معا كأسرة يرفرف الحب عليها وتضم4 أبناء, وقد عرفت الآن فقط معني السعادة وحرارة العواطف.. والحياة المريحة بمعني الكلمة إذ شتان مابين كرم زوجي وأريحتيه بالرغم من أنه لا يملك سوي مرتبه وبعض المدخرات القليلة وبين تقتير والد الطفلين بالرغم من ثرائه.. وشتان مابين بهجة الحياة مع من أحبه ويحبني وبين جفافها وفتورها وجفائها في الحياة السابقة. ولقد تزوج زوجي السابق من ابنة خولي أرضه الزراعية وهي فتاة صغيرة تعرف القراءة والكتابة وتقيم في العزبة وأرجو أن يسعد معها كما أرجو أن يسعد كل إنسان بحياته.
ولقد احتفلنا منذ ثلاثة أسابيع بعيد زواجنا الأول وعاهدت نفسي أن أروي لك قصتنا لكي يعرف الجميع أن السعادة لا تقاس بالإمكانات المادية وحدها.. وإنما بالحب والوفاق وائتلاف الأرواح.. وبالتعاون بين الزوجين علي إنجاح الحياة الزوجية وحسن المعاشرة. ولقد استراح ضمير أبي من ناحيتي أخيرا وأصبح لا ينظر إلي آسفا وحزينا كما كان يفعل من قبل, كما تحسنت احواله التجارية كثيرا وانتظم في سداد اقساط البنك وعلي وشك الانتهاء من سداده كله خلال شهور وهو يقول لي دائما إنه مدين لزوجي بانقاذه من الانهيار والافلاس, ويلوم نفسه كثيرا علي رفضه له واساءة معاملته من قبل. أما زوجي فهو سعيد بي وبحياتنا معا وبأولادنا الأربعة ويقول لي إنني تعويض الحياة له عن احزانه السابقة ويتمه ووحدته ويتم طفليه والحمد لله حمدا كثيرا طيبا وأرجو أن تكتب لكل الآباء والأمهات ألا يجروا وراء المال وحده, وألا يتسرعوا في رفض شبان صالحين لمجرد ضعف امكاناتهم في البداية.
أما انا وزوجي فمازلنا نتبادل النظرات الطويلة كلما رأي احدنا الآخر.. حتي الآن.. ونتفاهم بالنظرة قبل الكلام.. ومازالت الحرارة تسري في جسدي كلما أمسك يدي! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* ولكاتبة هذه الرسالة أقول في قصتك الجميلة هذه أكثر من مفارقة تثير التأمل والتفكير منها ان والدك قد رفض فتاك القديم لغير سبب سوي نقص امكاناته المادية, وبالرغم من توافر بقية شروط الكفاءة الأخري فيه كالمنبت الطيب والأسرة الكريمة والمستوي العائلي والثقافي اللائق, واختار لك الآخر الذي توافر فيه شرط واحد كان الأكثر أهمية من وجهة نظره وهو القدرة المالية.. فكيف كان المصير؟ لقد اثبت له زوجك السابق ليس فقط ان المال وحده لا يحقق السعادة, وهو درس قديم لا يحتاج الي التكرار, وانما انه حتي امتلاك المال في حد ذاته لا يحقق الحياة الكريمة لصاحبه ومن يعولهم إن افتقد الفهم الصحيح لدور المال في الحياة وهو أن يسهلها ويحفظ كرامة الانسان من الحاجة لا أن يكتنز فقط لمضاعفة الثراء مع مكابدة الحرمان وشظف العيش!
كما اثبت له زوجك السابق ايضا ان عفة النفس لا ترتبط بما يملك الانسان من متاع الدنيا وانما بترفعه عن الدنايا وتأيه بنفسه عن ان يضعها موضع اللوم والانتقاد أو مع موضع الاحتياج الي ما ليس يملكه. لهذا فقد وجد والدك ـ الذي أشفق عليك من مكابدة جفاف الحياة اذا تزوجت فتاك القديم نفسه ـ مضطرا للانفاق عليك وأنت زوجة لرجل ثري لكي يعوض نقصه ويلبي احتياجاتك واحتياجات طفليك الأساسية فأي مفارقة بين رغد العيش الذي أراده لك والدك مع زوجك الأول فتكشف لك عن حرمان.. ومعاناة.. واحتياج دائم الي والدك, وبين جفاف الحياة الذي أشفق عليك منه مع فتاك القديم فتكشف لك الآن عن عيش كريم وحياة مطمئنة وسماحة في النفس والطبع.. ناهيك عن سعادة القلب وسكونه الي من يحب.. وفصل يكون غريبا اذا استعدنا في هذا المجال هدي الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين أمرنا ان نرحب بمن نرضي دينه وخلقه فان لم نفعل ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبير؟
أم هل نتذكر في هذا الشأن ايضا ماروي عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين قيل له: أي مال نتخذ يارسول الله؟ فقال: لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وزوجة تعين أحدكم علي دينه.
واستطرادا للمعني يمكن ان يقال كذلك وزوجا بعين إحداكن علي دينها. ان نتذكر الحكمة القديمة التي تقول انه بالمثابرة والصبر يصبح ورق التوت حريرا.. واننا لابد ان نقبل بصعوبات البداية لكي نصل في النهاية إلي شاطئ الأمان!
اما المفارقة الكبري حقا فهي ان ذلك الشاب المكافح الذي جرحت كرامته وحرم من تحقيق حلمه في السعادة وهو في بواكير الشباب لغير سبب سوي بساطة حاله.. هو نفسه الرجل الذي اختارته الأقدار لكي يقيل والدك الثري من عثرته التجارية ويعينه علي أمره وينقذه من الانهيار والافلاس. في حين تخلي عنه الآخر الذي لم يرجح كفته لديه سوي ثرائه وماله وقدرته.. ولقد كان يستطيع نجدته بالفعل بغير ان يخسر شيئا وقد قبل علي نفسه ان يحصل من صهره علي فائدة لما يفرضه له من مال.. لكن متي كانت الشهامة خلقا لمن عرف بالبخل المعيب والتقتير الشديد علي النفس وعلي من يعول حتي ليرفض تحمل نفقات المتابعة الصحية لطفله الوليد.. أو تحمل رسوم مدارس فلذات اكباده؟ أما آخر ما قد تفكرت فيه وأنا أقرأ رسالتك هذه فهو ان بعض البشر قد تترفق بهم أقدارهم فتأذن لهم ببلوغ شاطئ السعادة بعد ان تكون سفينة الحياة قد جنحت بهم لفترة من الزمن بعيدا عنه.. فان كان ثمة مايقال لك في ذلك, فهو ان الحياة قد صححت اخطاءها بالنسبة لك.. فعقبي للصابرين والمنتظرين, وانه من حسن الطالع ان تخبطك في بحر الشقاء لم يطل اكثر من ذلك, وانك قد رسوت في النهاية في المرفأ الصحيح بالنسبة لك منذ البداية وأنت مازلت في سن الشباب وقادرة علي الاستمتاع بالحياة وفي العمر بقية بإذن الله لبلوغ الأهداف وتحقيق الآمال..
أما والدك فلقد اراد لك السعادة في البداية وفي النهاية.. لكنه اخطأ التقدير في رفضه لفتاك القديم واغلاقه لباب الأمل في وجهه بصراحة, غير أن بعض عذره في ذلك انه قد رغب في ضمان الحياة الكريمة لك وانه قد اعتمد في ذلك علي اعتبار الثراء وحده طريقا ميسورا للكرامة والأمان. كما اخطأ التقدير ايضا في قبوله لزوجك السابق دون ان يستقصي جيدا كل طباعه واحواله خاصة وان آفة التقتير الشديد لا يمكن التخفي بها عن الآخرين ولابد غالبا من ذيوعها عمن مبتلي بها. لكنه يحسب لوالدك علي الناحية الأخري عطفه الكبير عليك وحبه لك وهمه بأمرك.. وقبوله لأن يعوض سوء اختياره لك بالذهاب الي زوجك الحالي وعرضك عليه دون حرج وبغير ان يجد في ذلك مايمس كرامته أو ينتقص من قدره.. ولاشك في أنه ليس هناك بالفعل ماينتقص من قدره كأب حريص علي سعادة ابنته فيما فعل.. فقديما قد عرض العادل العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته حفصه علي أبي بكر وعثمان فلم يرحبا بها.. وروي ما فعل للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه متألما.. فواسي صاحبه وبشره برغبته فيها.. وتزوجها. وشكرا لك علي رسالتك الجميلة..
|